BAGHDAD

Poem Information

Title: Baghdad
Poet: Anwar Al-Ghassani
Written in: San José, Costa Rica
Date: August 13, 1989
Version: final
Length: 168 lines, 1564 words
Collection: Massader (Sources), 1992
Language of the original: Arabic
Translated by: -----------------
Revised by: the poet
First published in: Al-Badil (Damaskus), No. 15, April 1990, 61 - 68. (Arabic)

Best viewed with Internet Explorer
(Both Internet Explorer and Netscape Navigator have problems with Arabic punctuation and need additional work to correct that. I had to decide for one of them. You can still read the poem with the Navigator, but there may be problems with the placing of punctuation.)



 

بــغـــــــــــــــداد


تبزغـين من الضباب الـســاخن نضـارة ميـاه وأتـربــة صحـارى ؛
، بعض مما أعرف ، بعض مما أجـهـل
،مؤلف في تضاريس معمارٍ جـد يــد
،مقام على غنى أرضٍ تبدو أبديـة الإسـتقرار
.موزعـة على دجــلة ، فكرة الماء الكبيرة
،هذه بداية حضورك النهاري
.هذا وقتٌ يلي لحظة رأيتك من القطار
،طوالَ ليلةٍ ظلَّ يمرق محاذياً التمور والأعناب والبرتقال
،ليس بعيداً عن موضع سـقوطي وحصانـي بعد أعوامٍ
ليس بعيداً عن الذين إلتحم حلمي بنجومهم الصفـراء بعد أعوامٍ
وعن الذين سـقطوا - في صور صحفـك الطازجـة -
.فـي الميـاه يتمـرنون
،وجهـاً كنتِ ، عميقاً في وديان الطين ، حاملات الصـرائف
،مهيِّئةُ بُرك المياه لجواميس القيمـر تخوضـها
،واثقة من زمنها الذي لم يبدأ ولن ينتهي
،فيما وجوه المعيـديات حاملات الألبان
،تكثف المعاناة بتتابع الزمن الـسـريع
،توّلـد وتنقـل الموسـيقى والنداءات ولغط الأسـواق وبعض الحبـور
.في الضحى ، عند الظهيرة ، تحت الـشـمس الـشـديـدة ، مع الليـل
،بغـداد ، أنت لم تلتقيني ، بل اليك أخذتني
،ككل المنضويـن في ظلالك
إذ جئتُ باحثـاً عن آثـار الجــد
،في البيت المغطى بقماش الخيــام
.ثم تلك الـسـينما ، وحلم أحـداث ما وراء الخـوف ، والباميـة عند الظهـر
أين ، على إتـسـاعك ، كان كل هــذا ؟
.أعرف أن القيلولة كانت في حضنك الناعـم
،ثم كان وقوفي في حضرة راوية أخبار الجــد
لي ، أنا ، المعنيُ ، اللاهـي ، المتعفف عن خـروقات الحضور ورعب الإنتماءِ الى اليقظة
،وذاتيَ ، المرجحـة لدى الأحلام الممنوحة في الصور وسـهولة المجلات على الأرصفـة
.خـرقتِها ، أنت الباحثـة عن القبول ، عن إمكان العطـاءِ
،منـذئـذ ، وعيت إنتمائـي اليك
:وهكذا ، رغم زمني القصير لديك ، لن أجـد قط في غيرك هذا الغنى
.الرسـوخ في طمأنينة اليـوم ، والعـزاء عند لقاء الرعـب في شـوارعك
بغـدادُ ، أحقاً أنت متوحـشـةٌ؟
أحقاً كنت أبداً معذبة لا تعرفين غير الرفض ، هكـذا؟
،الهذا كنت متوحـشـةً حيناً وعـذبةً حيناً
،حتى جعلتني أتمنى الغياب وأتفادى الحضور
،وأتعفف عن المطالبة ، وأرضى بأن تكوني هناك ، وبأنك عذبـةٌ حتى الألم؟
.أنت كنت لي ، أنت الآن لي ، مـسـتقرة على تقاطع خطوط الطول والعرض
،تعلمين أنني لست قادماً
،أنت هناك ، تكررين أيامك
،من أجلي تحرقين ضوء النهار ، وتبدئين يومك بتعليق القمـر الـشـاحب غرباً
،وبأصوات إصطدام إسـتكانات الـشـاي في سـاحـة الطيـران وإنسكاب الشوربة الثقيلة لعمال الصباح
،وبصبيات ينهضن من الأفرشـة على الـسـطوح ليحدقن في عيون الحمَـام
.أبوابٌ تُفتح ويسـير التلاميـذ الهوينى الى المدارس
.الـسـيارات. ذبذبة جـسـورك ، ودوران أشـرطة الأغانـي
،في كل يومٍ وليلةٍ تصوغين نفـسك متغيرة ، لكن الألـم يتكرر
.هذا أيضاً ألمـي: التقدم خطوة فخطـوة
،تعرفين أن بعضي يتكرر في آجـرك
،بعضي ، أو كينونتي ، بين مزن الربيع في أذهان رجالك القدامى
.وبين هديـر ليلك ، وبين محنطات المتاحـف
،ليلك ليس للنوم بل لليقظة الـشـديدة
،ليل عصري تخرقـه أضواء الطائرات
لكنه لا يعاش إلا مع ضمان الـسـلام والدفء
،للبيضاء إبنة الحاج المُحضرة عصراً لأُختها المريضة الدواء
،لترقُب القمر الوامض بين سـعف النخلة القديمة
.ولتنام آمنـةً حتى تلتقي شمسك
،هكذا ليلك يتصل بالنهار كأنه ليل عيد
.ليلٌ نهاري تصنعينه وفق معيار كوني على مستوى النهار
،وذلك ، نهارك ، أعرفه أيضاً ، نهار ليلي ، كالتهويمة بين النوم واليقظة
.مكثفٌ ، أراه من نافذة الطائرة المطوّفـة على عناصرك: الماء والنخيل والغبار

.لافائـدة. إنني أفتقـدك

،لا أعرف ما حل بأولاء الـسـيدات ، مربيات أصدقائي
.بعض مكونات ما كنا نرى منك
،كن بعضاً من تنوعك الأبدي ، بنات زمن تماثيل الفواكه في الأسـواق
هن والعجائز البائعات والتلميذات وصاحباتنا الجامعيات
.وبائعات الألبان ، شـرائح منك
أين البولوني؟ كان يرسـم فقط ألوان الصحـراء
:وضع لنا مديرة المتحف في شـبابها ، في برودة الصباح
".إرسـموا ، أنظروا الى الرأس ، إنه أشبه بوردة"
.مضحكاً كان ذلك
،كنا نركض في الـشـورجة نبحث عن الدامر حافظ ألق الألوان
.بينما الرشاشات تغتال هواجـسـنا
،وذلك الصراط الذي كنا نمر عليه كل صباح
،لم تكن العصي تنهال علينا فيه
.وإنما في كل يوم كنا نقدم ضحية

.لا فائـدة

.صباحاتُك المبتلة ولياليك الصيفية لم تكن مقفرة
،حتى أولئك كانوا هناك ، الآكلون فيك
.العائدون في نهاية الليل لحفظ ذاكراتهم في الملفات
.أرى إسمي فيها عتيقاً كمليون عام

.لا فائـدة

،وكل تلك الأسـماء في ذاكراتهم
،تُعقمهم قاطعة التواصل مع الحياة
،تُكبلهم في السيارات في زوايا الشوارع وتغمرهم بالغبار
،والإسطوانات تدور في الأسواق ، وفي شقق الأصدقاء العزاب
.إحصاءات الإقتصاد ، قانون الإحتمالات ، أمنيات للعراق
،في الضحى ، في الظهيرة ، يظل النخل في الحدائق يقظاً
حاضراً تحت شمسك ، وتراب السواقي في الحدائق يبتل بعضه
.برذاذ رشاشات المياه الباردة في كف البستاني
،وفي المخيلات تتراءى رويداً رويداً
.وجوهٌ لنساءٍ خجولاتٍ مرغوباتٍ ، هناك بعيداً عنك
.وهنا في شقق الأصدقاء نتمنى حضور شوارعك بلا فائدة
إنها قائمةٌ ، ممتدةٌ ، منشغلةٌ بالضجيج ، حاويةُ ثوابتٍ
.كبائع الأزهار ، وعربة الحنطور ، و نصب الحـرية
،لن أتمنى شيئاً لئلا أغترب عنك ، لئلا يختلط حلمي بك
.فما زلت لا أعرفك ، وربما لا أحبك كفاية
بغـداد ، من أنت؟
:دعيني أتعلم أن أُحبك ، أعطيني بعض ذاكرتك
أتذكرين الحاج في الباب الشرقي؟
.مُطعمُ أصدقائي بلا نقود
.أولئك منحوك وجهك العصري
أين تمثال الحاج في سـاحة التحـرير؟
أتذكرين الآلوسي الصغير؟
الجسر يهتز فوق المياه الساهية
،والآلوسي هرول ليرى رجال الشرطة الزاحفين
،ثم تعب ، أغمض عينيه واستلقى على الأسفلت لينام
،ثم سمع بعضهم يحمله
.مهرولاً ، بعيداً عن الضجيج
بغـداد ، أين الغائبون؟
أراك ناقصةً ، متآكلةً ، مخدرةً في حرارة الضحى
.فجأة تتركك الأصوات ، ترحل عنك كسرب حمام
تتجمدين دائخةً ، لاشيء ينبض فيك غير يَدَيْ بائع اللبن
،وغير شراب الزبيب يصدم قاع القدح
،مولّداً فقاعاتٍ بنفسجية
.وغير الظلال تزحف في سـوق الـسـراي
،لابدَ من إيقاظك
،أنت حاوية حُبِّنا وأوهامنـا
،وذلك الصنف من رائحة البرتقال المرافق لإنتظار التعذيب ليلاً
.وذلك الصنف من رائحة المـوز في أكياس طعـام قادمة من أمهات بعيدات الى أبناءٍ موقوفين
.أنت مانحة الكراسي المشبكة في حدائق البيوت والأقسام الداخلية
لماذا؟ لماذا؟
،لنصمد عند لقاء الحبيبة ، لنتعب سريعاً ونحاول الهروب
،ولنعود من جديد الى تلك اللحظة المكثفة وراء بؤبؤ العين
.الهابطة المستقرة كالإرهاق عند القفا
،روائحك تغزو ذهني ، القهوة ، الكتب التأريخية ، طلع النخيل
،مرافقة لأعوامٍ أبعد ولهواجس القرن القادم المُشربُ بها هواؤك
.قريباً من الصديق الودود ، ملاقيني بالشاي والهواءِ المكيّف
والحديـد المُسكَّنُ بالأتربة مع صنف من الأمل
لم يكن يثيره غير مشهد الرجال المتصارعين
،عل نتائج النرد في مقهى العصر ، في ضجيج السعدون
.اللاهين عن إعدامهم بعد أسبوع
.هكذا زمنك المشوش
فقط ، بعيداً في الماضي ، بعيداً في المستقبل ، بداية هـو
لإقليمٍ من الأضواء
لكن رجال النرد كانوا ساهين
إلا عن الطعام الجيد المُتمَنى المطبوخ كما في البيوت
،ما أصغر تلك الأُمنية أمام غناك النظري
.وثبات رائحة الحناء التي كنت بها تغتنين
،كل هذا تحت مطـرك الشمسي
،العاجز عن تحييد ظلال النبتة الصغيرة
،بعيداً في بقعك الريفية
،المزودة بالأشجار وبالبساتين
،أمام ناظريّ البغدادي المستجم في الظل عند المكتب
،الحالم بالقصة الجيدة
،شيئاً كبناءٍ سيليلوزي أبيض يظهر من سُمرة ورق الجرائـد
مفكراً في صنع التشريب الجيد
،للصديق في الواحدة بعد منتصف الليل
،قبل أن ينام ، ثم ينهض ليكتب القصـة
.دون أن يدري ، على حائط الغـرفة
في هذه الساعات بعد منتصف الليل
،كنت ترقدين ساكنةً حقاً
،نقطة ضئيلة ، وفوقك ، الى ملايين الأميال
.لا شيء غير الكيمياء المجنونة لكواكب الشمس
،الظلام الأخير لم يحل بعد
،ولم يأزف موعـدُ الرحيل العام
،بغــداد
،هـس ، هـس
،نامــي ، نامــي
،هـذه سـاعة انقطاع الحـركة
.هـذه سـاعة الأمـان المطـلق


أنـور الـغــســانـي         13 - 8- 1989